فصل: فصل‏:‏اختلاف الناس في تفضيل الملائكة على البشر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **


 فصل‏:‏ وقد اختلف الناس في تفضيل الملائكة على البشر على أقوال‏:‏

فأكثر ما توجد هذه المسألة في كتب المتكلمين، والخلاف فيها مع المعتزلة، ومن وافقهم، وأقدم كلام رأيته في هذه المسألة، ما ذكره الحافظ ابن عساكر في تاريخه، في ترجمة أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص، أنه حضر مجلساً لعمر بن عبد العزيز، وعنده جماعة، فقال عمر‏:‏ ما أحد أكرم على الله من كريم بني آدم‏.‏ واستدل بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ‏}‏ ‏[‏البينة‏:‏ 7‏]‏‏.‏

ووافقه على ذلك أمية بن عمرو بن سعيد، فقال عراك بن مالك‏:‏ ما أحد أكرم على الله، من ملائكته، هم خدمة داريه، ورسله إلى أنبيائه‏.‏ واستدل بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 20‏]‏‏.‏

فقال عمر بن عبد العزيز لمحمد بن كعب القرظي‏:‏ ما تقول أنت يا أبا حمزة‏؟‏ فقال‏:‏ قد أكرم الله آدم، فخلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له الملائكة، وجعل من ذريته الأنبياء والرسل، ومن يزوره الملائكة‏.‏

فوافق عمر بن عبد العزيز في الحكم، واستدل بغير دليله‏.‏ وأضعف دلالة ما صرح به من الآية، وهو قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏}‏، مضمونة أنها ليست بخاصة بالبشر، فإن الله قد وصف الملائكة بالإيمان في قوله‏:‏ ‏{‏وَيُؤْمِنُوْنَ بِهِ‏}‏، وكذلك الجان ‏{‏وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ‏}‏ ‏{‏وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ‏}‏ ‏[‏الجن‏:‏ 13 - 14‏]‏‏.‏

قلت‏:‏ وأحسن ما يستدل به في هذه المسألة، ما رواه عثمان بن سعيد الدارمي، عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً، وهو أصح، قال‏:‏

لما خلق الله الجنة قالت الملائكة‏:‏ يا ربنا اجعل لنا هذه نأكل منها، ونشرب، فإنك خلقت الدنيا لبني آدم، فقال الله‏:‏ لن أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي، كمن قلت له‏:‏ كن فكان‏.‏

 باب خلق الجان وقصة الشيطان

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 14 -16‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 26-27‏]‏‏.‏

وقال ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، والحسن، وغير واحد‏:‏ ‏{‏مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ‏}‏ قالوا‏:‏ من طرف اللهب‏.‏

وفي رواية من خالصه، وأحسنه‏.‏

وقد ذكرنا آنفاً من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من نار، وخلق آدم مما وصف لكم‏)‏‏)‏ رواه مسلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 59‏)‏

قال كثير من علماء التفسير‏:‏ خلقت الجن قبل آدم عليه السلام، وكان قبلهم في الأرض، الحن والبن، فسلط الله الجن عليهم فقتلوهم، وأجلوهم عنها، وأبادوهم منها، وسكنوها بعدهم‏.‏

وذكر السدي في ‏(‏تفسيره‏)‏ عن أبي مالك، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لما فرغ الله من خلق ما أحب، استوى على العرش، فجعل إبليس على ملك الدنيا، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن، وإنما سموا الجن لأنهم خُزان الجنة‏.‏ وكان إبليس مع ملكه خازناً، فوقع في صدره إنما أعطاني الله هذا لمزية لي على الملائكة‏.‏

وذكر الضحاك عن ابن عباس‏:‏ أن الجن لما أفسدوا في الأرض، وسفكوا الدماء، بعث الله إليهم إبليس ومعه جند من الملائكة، فقتلوهم، وأجلوهم عن الأرض، إلى جزائر البحور‏.‏

وقال محمد بن إسحاق، عن خلاد، عن عطاء، عن طاوس، عن ابن عباس، كان اسم إبليس قبل أن يرتكب المعصية عزازيل، وكان من سكان الأرض، ومن أشد الملائكة اجتهاداً، وأكثرهم علماً، وكان من حي يقال لهم الجن‏.‏

وروى ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير، عنه، كان اسمه عزازيل، وكان من أشرف الملائكة من أولى الأجنحة الأربعة‏.‏

وقد أسند عن حجاج، عن ابن جريج قال ابن عباس‏:‏ كان إبليس من أشرف الملائكة، وأكرمهم قبيلة، وكان خازناً على الجنان، وكان له سلطان سماء الدنيا، وكان له سلطان الأرض‏.‏

وقال صالح - مولى التوأمة - عن ابن عباس‏:‏ كان يسوس ما بين السماء والأرض، رواه ابن جرير‏.‏

وقال قتادة، عن سعيد بن المسيب‏:‏ كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا‏.‏

وقال الحسن البصري‏:‏ لم يكن من الملائكة طرفة عين، وأنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل البشر‏.‏

وقال شهر بن حوشب، وغيره‏:‏ كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة، فأسره بعضهم، وذهب به إلى السماء‏.‏ رواه ابن جرير‏.‏

قالوا فلما أراد الله خلق آدم، ليكون في الأرض هو وذريته من بعده، وصور جثته منها، جعل إبليس، وهو رئيس الجان، وأكثرهم عبادة إذ ذاك، وكان اسمه عزازيل، يطيف به، فلما رآه أجوف، عرف أنه خلق لا يتمالك‏.‏

وقال‏:‏ أما لئن سلطت عليك لأهلكنك، ولئن سلطت علي لأعصينك، فلما أن نفخ الله في آدم من روحه كما سيأتي، وأمر الملائكة بالسجود له، دخل إبليس منه حسد عظيم، وامتنع من السجود له‏.‏

وقال‏:‏ أنا خير منه، خلقتني من نار، وخلقته من طين‏.‏

فخالف الأمر واعترض على الرب عز وجل، وأخطأ في قوله، وابتعد من رحمة ربه، وأنزل من مرتبته، التي كان قد نالها بعبادته، وكان قد تشبه بالملائكة، ولم يكن من جنسهم لأنه مخلوق من نار، وهم من نور‏.‏

فخانه طبعه في أحوج ما كان إليه، ورجع إلى أصله النار‏.‏

{‏فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 30 -31‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 50‏]‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 60‏)‏

فأهبط إبليس من الملأ الأعلى، وحرم عليه قدر أن يسكنه، فنزل إلى الأرض، حقيراً، ذليلاً، مذؤماً، مدحوراً، متوعداً بالنار، هو ومن اتبعه من الجن، والإنس، إلا أنه مع ذلك جاهد كل الجهد على إضلال بني آدم، بكل طريق، وبكل مرصد‏.‏

كما قال‏:‏ ‏{‏قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً * قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُوراً * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 62 -65‏]‏‏.‏

وسنذكر القصة مستفاضة عند ذكر خلق آدم عليه السلام‏.‏ والمقصود أن الجان خلقوا من النار، وهم كبني آدم، يأكلون، ويشربون، ويتناسلون، ومنهم المؤمنون، ومنهم الكافرون، كما أخبر تعالى عنهم في سورة الجن في قوله تعالى‏:‏

‏{‏وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏ 29 -32‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً * وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً * وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً * وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً * وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً * وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً * وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً * وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً * وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً‏}‏ ‏[‏الجن‏:‏ 1- 17‏]‏‏.‏

وقد ذكرنا تفسير هذه السورة، وتمام القصة، في آخر سورة الأحقاف‏.‏

وذكرنا الأحاديث المتعلقة بذلك، هنالك‏.‏

وأن هؤلاء النفر، كانوا من جن نصيبين‏.‏

وفي بعض الآثار، من جن بصرى، وأنهم مروا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قائم يصلي بأصحابه، ببطن نخلة، من أرض مكة‏.‏ فوقفوا، فاستمعوا لقراءته‏.‏

ثم اجتمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة كاملة، فسألوه عن أشياء، أمرهم بها، ونهاهم عنها، وسألوه الزاد، فقال لهم‏:‏

‏(‏‏(‏كل عظم ذكر اسم الله عليه، تجدونه أوفر ما يكون لحماً، وكل روثة علف لدوابكم‏)‏‏)‏‏.‏

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم، أن يستنجي بهما، وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنهما زاد إخوانكم الجن‏)‏‏)‏‏.‏

ونهى عن البول في السرب، لأنها مساكن الجن‏.‏

وقرأ عليهم، رسول الله صلى الله عليه وسلم، سورة الرحمن، فما جعل يمر فيها بآية ‏{‏فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ‏}‏ إلا قالوا‏:‏ ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب، فلك الحمد‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 1/61‏)‏

وقد أثنى عليهم، النبي صلى الله عليه وسلم، في ذلك، لما قرأ هذه السورة على الناس فسكتوا‏.‏ فقال‏:‏

‏(‏‏(‏الجن كانوا أحسن منكم رداً، ما قرأت عليهم، فبأي آلاء ربكما تكذبان، إلا قالوا‏:‏ ولا بشيء من آلائك ربنا، نكذب، فلك الحمد‏)‏‏)‏‏.‏

رواه الترمذي، عن جبير، وابن جرير، والبزار، عن ابن عمر‏.‏

وقد اختلف في مؤمني الجن، هل يدخلون الجنة، أو يكون جزاء طائعهم، أن لا يعذب بالنار فقط‏.‏ على قولين‏:‏

الصحيح‏:‏ أنهم يدخلون الجنة، لعموم القرآن، ولعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 46 -47‏]‏‏.‏

فامتن تعالى عليهم بذلك، فلولا أنهم ينالونه لما ذكره، وعده عليهم من النعم‏.‏ وهذا وحده دليل مستقل كاف في المسألة وحده، والله أعلم‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا قتيبة، عن مالك، عن عبد الرحمن بن عبد الله، بن عبد الرحمن، بن أبي صعصعة، عن أبيه، أن أبا سعيد الخدري، قال له‏:‏ إني أراك، تحب الغنم، والبادية، فإذا كنت في غنمك، وباديتك، فأذنت بالصلاة، فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن، ولا إنس، ولا شيء، إلا شهد له يوم القيامة‏.‏

قال أبو سعيد‏:‏ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، انفرد به البخاري، دون مسلم‏.‏

وأما كافرو الجن، فمنهم الشياطين، ومقدمهم الأكبر‏:‏ إبليس، عدو آدم، أبي البشر‏.‏ وقد سلطه هو، وذريته، على آدم، وذريته‏.‏

وتكفل الله عز وجل، بعصمة من آمن به، وصدَّق رسله، واتبع شرعه منهم، كما قال‏:‏ ‏{‏إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 65‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ‏}‏ ‏[‏سبأ‏:‏ 20 - 21‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 27‏]‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 28 - 44‏]‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/62‏)‏

وقد ذكر تعالى، هذه القصة، في سورة البقرة، وفي الأعراف، وهاهنا، وفي سورة سبحان، وفي سورة طه، وفي سورة ص‏.‏

وقد تكلمنا على ذلك كله، في مواضعه، في كتابنا ‏(‏التفسير‏)‏، ولله الحمد‏.‏ وسنوردها في قصة آدم، إن شاء الله‏.‏

والمقصود‏:‏ أن إبليس أنظره الله إلى يوم القيامة، محنة لعباده، واختباراً منه لهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ‏}‏ ‏[‏سبأ‏:‏ 21‏]‏‏.‏

{‏وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ 22 - 23‏]‏‏.‏

فإبليس لعنه الله حي الآن، منظر إلى يوم القيامة، بنص القرآن، وله عرش على وجه البحر، وهو جالس عليه، ويبعث سراياه يلقون بين الناس الشر والفتن، وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 76‏]‏‏.‏

وكان اسمه قبل معصيته العظيمة‏:‏ عزازيل‏.‏

قال النقاش‏:‏ وكنيته ‏(‏أبو كردوس‏)‏ ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن صياد‏:‏ ما ترى‏؟‏ قال‏:‏ أرى عرشاً على الماء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏اخسأ فلن تعدو قدرك‏)‏‏)‏ فعرف أن مادة مكاشفته التي كاشفه بها، شيطانية، مستمدة من إبليس، الذي هو يشاهد عرشه على البحر، ولهذا قال له اخسأ فلن تعدو قدرك، أي لن تجاوز قيمتك الدنية، الخسيسة، الحقيرة‏.‏

والدليل على أن عرش إبليس على البحر، الذي رواه الامام أحمد، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان، حدثني معاذ التميمي، عن جابر بن عبد الله، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏عرش إبليس في البحر يبعث سراياه في كل يوم، يفتنون الناس، فأعظمهم عنده منزلة، أعظمهم فتنة للناس‏)‏‏)‏

ورواه‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا روح، حدثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏

‏(‏‏(‏عرش إبليس على البحر، يبعث سراياه، فيفتنون الناس، فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة‏)‏‏)‏ تفرد به من هذا الوجه‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا مؤمل، حدثنا حماد، حدثنا علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن جابر، بن عبد الله قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صائد‏:‏ ‏(‏‏(‏ما ترى‏)‏‏)‏‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ أرى عرشاً على الماء، أو قال‏:‏ على البحر حوله حيات‏.‏

قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ذاك عرش إبليس‏)‏‏)‏ هكذا رواه في مسند جابر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 63‏)‏

وقال في مسند أبي سعيد‏:‏ حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أنبأنا علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن صائد‏:‏

‏(‏‏(‏ما ترى‏)‏‏)‏‏؟‏

قال‏:‏ أرى عرشاً على البحر حوله الحيات‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏صدق؛ ذاك عرش إبليس‏)‏‏)‏‏.‏

وروى الإمام أحمد، من طريق معاذ التميمي، وأبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون، ولكن في التحريش بينهم‏)‏‏)‏‏.‏

وروى الإمام مسلم، من حديث الأعمش، عن أبي سفيان، طلحة بن نافع، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏إن الشيطان يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه في الناس، فأقربهم عنده منزلة، أعظمهم عنده فتنة، يجيء أحدهم فيقول‏:‏ مازلت بفلان حتى تركته، وهو يقول‏:‏ كذا وكذا‏.‏

فيقول إبليس‏:‏ لا والله ما صنعت شيئاً‏.‏ ويجيء أحدهم فيقول‏:‏ ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله‏.‏

قال‏:‏ فيقربه، ويدنيه‏.‏ ويقول‏:‏ نعم أنت‏)‏‏)‏‏.‏

يروى بفتح النون، بمعنى نعم، أنت ذاك الذي تستحق الإكرام، وبكسرها، أي نعم، منك‏.‏ وقد استدل به بعض النحاة، على جواز كون فاعل نعم مضمراً، وهو قليل‏.‏ واختار شيخنا الحافظ أبو الحجاج، الأول‏.‏ ورجحه، ووجهه، بما ذكرناه، والله أعلم‏.‏

وقد أوردنا هذا الحديث، عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 102‏]‏‏.‏

يعني‏:‏ أن السحر المتلقي عن الشياطين، من الإنس، والجن، يتوصل به إلى التفرقة بين المتآلفين، غاية التآلف، المتوادين، المتحابين، ولهذا يشكر إبليس سعي من كان السبب في ذلك‏.‏

فالذي ذمَّه الله يمدحه، والذي يغضب الله يرضيه، عليه لعنة الله‏.‏ وقد أنزل الله عز وجل سورتي المعوذتين، مطردة لأنواع الشر، وأسبابه، وغاياته‏.‏ ولا سيما سورة ‏{‏قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ‏}‏ ‏[‏الناس‏:‏ 1-6‏]‏‏.‏

وثبت في ‏(‏الصحيحين‏)‏ عن أنس، وفي صحيح البخاري‏:‏ عن صفية بنت حسين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم‏)‏‏)‏‏.‏

عند مسلم صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه و سلم، و هو الصواب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 64‏)‏

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي‏:‏ حدثنا محمد بن جبير، حدثنا عدي بن أبي عمارة، حدثنا زياد النميري، عن أنس، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله خنس، وإن نسي التقم قلبه، فذلك الوسواس الخناس‏)‏‏)‏‏.‏

ولما كان ذكر الله مطردة للشيطان عن القلب، كان فيه تذكار للناس كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 24‏]‏‏.‏

وقال صاحب موسى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 63‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ جزء من الأية 42‏]‏ يعني‏:‏ الساقي لما قال له يوسف‏:‏ اذكرني عند ربك، نسي الساقي أن يذكره لربه‏.‏ يعني مولاه الملك‏.‏

وكان هذا النسيان من الشيطان، فلبث يوسف في السجن بضع سنين، ولهذا قال بعده، ‏{‏وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 45‏]‏، أي‏:‏ مدة‏.‏ وقرىء بعد أمة، أي نسيان‏.‏

وهذا الذي قلنا من أن الناسي هو الساقي هو الصواب من القولين، كما قررناه في التفسير، والله أعلم‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عاصم، سمعت أبا تميمة، يحدث عن رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم حماره فقلت‏:‏ نفس الشيطان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏لا تقل نفس الشيطان، فإنك إذا قلت نفس الشيطان تعاظم، وقال بقوتي صرعته، وإذا قلت‏:‏ بسم الله تصاغر حتى يصير مثل الذباب‏)‏‏)‏‏.‏

تفرد به أحمد وهو إسناد جيد‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا الضحاك بن عثمان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏إن أحدكم إذا كان في المسجد جاء الشيطان فأيس به، كما يئس الرجل بدابته، فإذا سكن له زنقة أو ألجمه‏)‏‏)‏ قال أبو هريرة‏:‏ وأنتم ترون ذلك‏.‏

أما المزنوق، فتراه مائلاً كذا لا يذكر إلا الله‏.‏

وأما الملجم، ففاتح فاه لا يذكر الله عز وجل‏.‏ تفرد به أحمد‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا ابن نمير، حدثنا ثور، يعني ابن يزيد، عن مكحول، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏العين حق ويحضرها الشيطان، وحسد ابن آدم‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن ذر بن عبد الله الهمداني، عن عبد الله بن شداد، عن ابن عباس، قال‏:‏ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله إني أحدث نفسي بالشيء - لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه أبو داود والنسائي من حديث منصور، زاد النسائي، والأعمش كلاهما عن أبي ذر به‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/65‏)‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال‏:‏ أخبرني عروة قال‏:‏ قال أبو هريرة‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏يأتي الشيطان أحدكم فيقول‏:‏ من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول من خلق ربك، فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته‏)‏‏)‏‏.‏

وهكذا رواه مسلم من حديث الليث، ومن حديث الزهري، وهشام بن عروة، كلاهما عن عروة به‏.‏

وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 201‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏ 97-98‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 200‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 98- 100‏]‏‏.‏

وروى الإمام أحمد، وأهل السنن، من حديث أبي المتوكل‏:‏ عن أبي سعيد قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏

‏(‏‏(‏أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه، ونفخه، ونفثه‏)‏‏)‏‏.‏

وجاء مثله من رواية جبير بن مطعم، وعبد الله بن مسعود، وأبي أسامة الباهلي‏.‏

وتفسيره في الحديث‏:‏

فهمزه‏:‏ الموتة، وهو الخنق الذي هو الصرع‏.‏

ونفخه‏:‏ الكبر‏.‏ ونفثه‏:‏ الشعر‏.‏

وثبت في ‏(‏الصحيحين‏)‏‏:‏ عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال‏:‏

‏(‏‏(‏أعوذ بالله من الخبث والخبائث‏)‏‏)‏‏.‏

قال كثير من العلماء‏:‏ استعاذ من ذكران الشياطين، وإناثهم‏.‏

وروى الإمام أحمد عن شريح، عن عيسى بن يونس، عن ثور، عن الحسين، عن ابن سعد الخير، وكان من أصحاب عمر، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏ومن أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً فليستدبره، فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 66‏)‏

ورواه أبو داود، وابن ماجه، من حديث ثور بن يزيد به‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن عدى بن ثابت، قال‏:‏ قال سليمان بن صرد‏:‏ استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن عنده جلوس، فأحدهما يسب صاحبه مغضباً قد احمر وجهه‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال‏:‏ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم‏)‏‏)‏‏.‏

فقالوا للرجل‏:‏ ألا تسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏‏.‏

فقال‏:‏ إني لست بمجنون‏.‏

ورواه أيضاً مسلم، وأبو داود، والنسائي، من طرق عن الأعمش‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏قال لا يأكل أحدكم بشماله، ولا يشرب بشماله، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا على شرط ‏(‏الصحيحين‏)‏ بهذا الإسناد، وهو في الصحيح من غير هذا الوجه‏.‏

وروى الإمام أحمد من حديث إسماعيل بن أبي حكيم، عن عروة، عن عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏

‏(‏‏(‏من أكل بشماله أكل معه الشيطان، ومن شرب بشماله شرب معه الشيطان‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر، أنبأنا شعبة، عن أبي زياد الطحان، سمعت أبا هريرة، يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلاً يشرب قائماً، فقال له‏:‏

‏(‏‏(‏قه‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ لـمَ‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أيسرك أن يشرب معك الهر‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإنه قد شرب معك من هو شر منه‏:‏ الشيطان‏)‏‏)‏‏.‏ تفرد به أحمد من هذا الوجه‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن رجل، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏لو يعلم الذي يشرب وهو قائم ما في بطنه لاستقاء‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وحدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث الزهري‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا موسى، حدثنا ابن لهيعة، عن ابن الزبير أنه سأل جابراً سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏إذا دخل الرجل بيته، فذكر اسم الله حين يدخل، وحين يطعم، قال الشيطان‏:‏ لا مبيت لكم، ولا عشاء هاهنا‏.‏

وإن دخل ولم يذكر اسم الله عند دخوله، قال‏:‏ أدركتم المبيت‏.‏

وإن لم يذكر اسم الله عند طعامه، قال‏:‏ أدركتم المبيت والعشاء‏.‏ قال‏:‏ نعم‏)‏‏)‏‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا محمد، حدثنا عبدة، حدثنا محمد عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى يبرز، وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى يغيب، ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها، فإنها تطلع بين قرني الشيطان - أو الشياطين -‏)‏‏)‏ لا أدري أي ذلك، قال هشام‏.‏

ورواه مسلم، والنسائي، من حديث هشام به‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق، فقال‏:‏

‏(‏‏(‏ها إن الفتنة هاهنا، إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 67‏)‏

هكذا رواه البخاري منفرداً به من هذا الوجه‏.‏

وفي السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

نهى أن يجلس بين الشمس والظل، وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنه مجلس الشيطان‏)‏‏)‏‏.‏

وقد ذكروا في هذا معاني‏.‏ من أحسنها‏:‏ أنه لما كان الجلوس في مثل هذا الموضع فيه تشويه بالخلقة، فيما يرى، كان يحبه الشيطان، لأن خلقته في نفسه مشوه، وهذا مستقر في الأذهان، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤوسُ الشَّيَاطِينِ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 65‏]‏‏.‏

الصحيح‏:‏ أنهم الشياطين، لا ضرب من الحيات، كما زعمه من زعمه من المفسرين، والله أعلم‏.‏

فإن النفوس مغروز فيها قبح الشياطين، وحسن خلق الملائكة، وإن لم يشاؤوا‏.‏ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤوسُ الشَّيَاطِينِ‏}‏‏.‏

وقال النسوة لما شاهدن جمال يوسف‏:‏ ‏{‏حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 31‏]‏‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا يحيى بن جعفر، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثنا ابن جريج، أخبرني عطاء، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا استجنح - أو كان جنح الليل - فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من العشاء فحلوهم، وأغلق بابك، واذكر اسم الله، وأطفئ مصباحك، واذكر اسم الله، وأوكِ سقاءك، واذكر اسم الله، وخمر إناءك، واذكر اسم الله، ولو تعرض عليه شيئاً‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه أحمد‏:‏ عن يحيى، عن ابن جريج، وعنده‏:‏

‏(‏‏(‏فإن الشيطان لا يفتح مغلقاً‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا وكيع، عن قط، عن أبي الزبير، عن جابر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏أغلقوا أبوابكم، وخمروا آنيتكم، وأوكئوا أسقيتكم، وأطفئوا سرجكم، فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، ولا يكشف غطاء، ولا يحل وكاء، وإن الفويسقة تضرم البيت على أهله - يعني الفأرة -‏)‏‏)‏‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا آدم، حدثنا شعبة، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال‏:‏ اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتني، فإن كان بينهما ولد لم يضره الشيطان، ولم يسلط عليه‏)‏‏)‏‏.‏

وحدثنا الأعمش، عن سالم، عن كريب، عن ابن عباس مثله‏.‏

ورواه أيضاً عن موسى بن إسماعيل، عن همام، عن منصور، عن سالم، عن كريب، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏أما لو أحدكم إذا أتى أهله قال‏:‏ بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فرزقا ولداً، لم يضره الشيطان‏)‏‏)‏‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا إسماعيل، حدثنا أخي، عن سليمان، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة مكانها، عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان‏)‏‏)‏‏.‏

هكذا رواه منفرداً به من هذا الوجه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 68‏)‏‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا إبراهيم عن حمزة، حدثني ابن أبي حازم، عن يزيد، يعني ابن الهادي، عن محمد بن إبراهيم، عن عيسى بن طلحة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏إذا استيقظ أحدكم من منامه، فتوضأ، فاستنثر ثلاثاً، فإن الشيطان يبيت على خيشومه‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه مسلم، عن بشر بن الحكم، عن الدراوردي‏.‏

والنسائي، عن محمد بن زنبور، عن عبد العزيز بن أبي حازم، كلاهما عن يزيد بن الهادي به‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال‏:‏

‏(‏‏(‏ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليله، ثم أصبح، قال‏:‏ ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه، أو قال‏:‏ في أذنه‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه مسلم، عن عثمان، وإسحاق، كلاهما عن جرير به‏.‏

وأخرجه البخاري أيضاً، والنسائي، وابن ماجه، من حديث منصور بن المعتمر به‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا محمد بن يوسف، أنبأنا الأوزاعي، عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان، وله ضراط، فإذا قضى أقبل، فإذا ثوب بها أدبر، فإذا قضى أقبل، حتى يخطر بين الإنسان وقلبه، فيقول‏:‏ اذكر كذا، وكذا، حتى لا يدري أثلاثاً صلَّى، أم أربعاً، فإذا لم يدرِ أثلاثاً صلى أم أربعاً، سجد سجدتي السهو‏)‏‏)‏‏.‏

هكذا رواه منفرداً به، من هذا الوجه‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا أسود بن عامر، حدثنا جعفر يعني الأحمر، عن عطاء بن السائب، عن أنس، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏راصُّوا الصفوف، فإن الشيطان يقوم في الخلل‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا أبان، حدثنا قتادة، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول‏:‏

‏(‏‏(‏راصُّوا الصفوف، وقاربوا بينها، وحاذوا بين الأعناق، فوالذي نفس محمد بيده، إني لأرى الشيطان، يدخل من خلل الصف، كأنه الحذف‏)‏‏)‏‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا يونس، عن حميد بن هلال، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏إذا مرَّ بين يدي أحدكم شيء فليمنعه، فإن أبى فليمنعه، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه أيضاً مسلم، وأبو داود، من حديث سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال به‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو أحمد، حدثنا بشير بن معبد، حدثنا أبو عبيد، حاجب سليمان، قال‏:‏ رأيت عطاء بن يزيد الليثي، قائماً يصلي، فذهبت أمرّ بين يديه، فردني، ثم قال‏:‏ حدثني أبو سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام يصلي صلاة الصبح، وهو خلفه يقرأ، فالتبست عليه القراءة، فلما فرغ من صلاته، قال‏:‏

‏(‏‏(‏لو رأيتموني وإبليس، فأهويت بيدي، فما زلت أخنقه، حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين، الإبهام والتي تليها، ولولا دعوة أخي سليمان، لأصبح مربوطاً بسارية من سواري المسجد، يتلاعب به صبيان المدينة، فمن استطاع منكم، أن لا يحول بينه وبين القبلة أحد، فليفعل‏)‏‏)‏‏.‏

وروى أبو داود منه، ‏(‏‏(‏فمن استطاع إلى آخره‏)‏‏)‏ عن أحمد بن أبي سريج، عن أبي أحمد، محمد بن عبد الله بن محمد بن الزبير به‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا محمود، حدثنا شبابة، حدثنا شعبة عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة، فقال‏:‏

‏(‏‏(‏إن الشيطان عرض لي، فسدَّ عليَّ لقطع الصلاة علي، فأمكنني الله منه‏)‏‏)‏ فذكر الحديث‏.‏

و قد رواه مسلم، و النسائي، من حديث شعبة به، مطولاً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 69‏)‏

ولفظ البخاري، عند تفسير قوله تعالى، إخباراً عن سليمان عليه السلام أنه قال‏:‏

{‏قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ‏}‏ ‏[‏ص‏:‏ 35‏]‏‏.‏

من حديث روح، وغندر، عن شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏إن عفريتاً من الجن، تفلت علي البارحة - أو كلمة نحوها - ليقطع علي الصلاة، فأمكنني الله منه، فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد، حتى تصبحوا، وتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخي سليمان‏:‏ ‏{‏قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ‏}‏ - قال روح -‏:‏ فرده خاسئاً‏)‏‏)‏‏.‏

وروى مسلم، من حديث أبي إدريس، عن أبي الدرداء، قال‏:‏ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فسمعناه يقول‏:‏

‏(‏‏(‏أعوذ بالله منك، ثم قال‏:‏ ألعنك بلعنة الله ثلاثاً، وبسط يده، كأنه يتناول شيئاً‏.‏

فلما فرغ من الصلاة، قلنا يا رسول الله‏:‏ قد سمعناك تقول في الصلاة شيئاً، لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك‏؟‏‏.‏

فقال‏:‏ إن عدو الله إبليس، جاء بشهاب من نار، ليجمله في وجهي، فقلت‏:‏ أعوذ بالله منك، ثلاث مرات، ثم قلت‏:‏ ألعنك بلعنة الله التامة، فلم يستأخر، ثم أردت أخذه، والله لولا دعوة أخينا سليمان، لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة‏)‏‏)‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 33‏]‏‏.‏ يعني‏:‏ الشيطان‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 6‏]‏‏.‏

فالشيطان لا يألو الإنسان خبالاً، جهده وطاقته، في جميع أحواله، وحركاته، وسكناته، كما صنف الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا، كتاباً في ذلك، سمَّاه‏:‏ ‏(‏مصائد الشيطان‏)‏ وفيه فوائد جمَّة‏.‏

وفي ‏(‏سنن أبي داود‏)‏، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقول في دعائه‏:‏

‏(‏‏(‏وأعوذ بك، أن يتخبطني الشيطان، عند الموت‏)‏‏)‏‏.‏

وروينا في بعض الأخبار، أنه قال‏:‏

‏(‏‏(‏يا رب وعزك، وجلالك، لا أزال أغويهم، ما دامت أرواحهم، في أجسادهم، فقال الله تعالى‏:‏ وعزتي وجلالي، ولا أزال أغفر لهم، ما استغفروني‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 268‏]‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 70‏)‏

فوعد الله هو‏:‏ الحق المصدق، ووعد الشيطان هو‏:‏ الباطل‏.‏

وقد روى الترمذي، والنسائي، وابن حبان، في ‏(‏صحيحه‏)‏، وابن أبي حاتم، في ‏(‏تفسيره‏)‏، من حديث عطاء بن السائب، عن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان، فايعاد بالشر، وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك، فإيعاد بالخير، وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، فليحمد الله‏.‏ ومن وجد الأخرى، فليتعوذ من الشيطان

ثم قرأ‏:‏ ‏{‏الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 268‏]‏‏)‏‏)‏‏.‏

وقد ذكرنا، في فضل سورة البقرة، أن الشيطان يفر من البيت، الذي تقرأ فيه‏.‏

وذكرنا في فضل آية الكرسي، أن من قرأها في ليلة، لا يقربه الشيطان حتى يصبح‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا عبد الله بن يوسف، أنبأنا مالك عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏

‏(‏‏(‏من قال لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان، يومه ذلك، حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا رجل عمل أكثر من ذلك‏)‏‏)‏‏.‏

وقال البخاري‏:‏ أنبأنا أبو اليمان، أنبأنا شعيب، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال‏:‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏كل ابن آدم يطعن الشيطان، في جنبيه بإصبعه، حين يولد، غير عيسى بن مريم، ذهب يطعن، فطعن في الحجاب‏)‏‏)‏‏.‏

تفرد به من هذا الوجه‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا عاصم بن علي، حدثنا بن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم، فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا قال‏:‏ ها، ضحك الشيطان‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وصححه النسائي، من حديث ابن أبي ذئب به‏.‏

وفي لفظ‏:‏

‏(‏‏(‏إذا تثاءب أحدكم، فليكظم ما استطاع، فإن الشيطان يدخل‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا سفيان عن محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏إن الله يحب العطاس، ويبغض، أو يكره التثاؤب، فإذا قال أحدكم‏:‏ هاها، فإنما ذلك الشيطان، يضحك من جوفه‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه الترمذي، والنسائي، من حديث محمد بن عجلان به‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 1‏)‏‏:‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ *‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا الحسن بن الربيع، حدثنا أبو الأحوص، عن أشعث، عن أبيه، عن مسروق، قال‏:‏ قالت عائشة‏:‏ سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في الصلاة، فقال‏:‏

‏(‏‏(‏هو اختلاس يختلسه الشيطان، من صلاة أحدكم‏)‏‏)‏‏.‏

وكذا رواه أبو داود، والنسائي، من رواية أشعث بن أبي الشعثاء، سليم بن أسود المحاربي، عن أبيه، عن مسروق به‏.‏

وروى البخاري، من حديث الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير‏:‏ حدثني عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم، حلماً يخافه، فليبصق عن يساره، وليتعوذ بالله من شرها، فإنها لا تضره‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 71‏)‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن همام، عن أبي هريرة، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏لا يشيرن أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري أحدكم، لعل الشيطان أن ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار‏)‏‏)‏‏.‏

أخرجاه من حديث عبد الرزاق‏.‏

وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ‏}‏ ‏[‏الملك‏:‏ 5‏]‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏{‏إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 6 - 10‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 16 - 18‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 210- 212‏]‏‏.‏

وقال تعالى إخباراً عن الجان‏:‏ ‏{‏وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً‏}‏ ‏[‏الجن‏:‏ 8 - 9‏]‏‏.‏

وقال البخاري‏:‏ وقال الليث‏:‏ حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، أن أبا الأسود، أخبره عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏الملائكة تحدث في العنان - والعنان الغمام - بالأمر يكون في الأرض، فتسمع الشياطين الكلمة، فتقرها في أذن الكاهن، كما تقر القارورة، فيزيدون معها مائة كلمة‏)‏‏)‏‏.‏

هكذا رواه في صفة إبليس، معلقاً عن الليث به‏.‏

ورواه في صفة الملائكة، عن سعيد بن أبي مريم، عن الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن محمد بن عبد الرحمن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة بنحوه‏.‏ تفرد بهذين الطريقين دون مسلم‏.‏

وروى البخاري في موضع آخر، ومسلم من حديث الزهري، عن يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه، قال‏:‏ قالت عائشة‏:‏ سأل ناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنهم ليسوا بشيء‏)‏‏)‏‏.‏

فقالوا يا رسول الله‏:‏ إنهم يحدثوننا أحياناً بشيء فيكون حقاً‏.‏

فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏تلك الكلمة من الحق، يخطفها من الجني، فيقرقرها في أذن وليه، كقرقرة الدجاجة، فيخلطون معها مائة كذبة‏)‏‏)‏‏.‏

هذا لفظ البخاري‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 72‏)‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو، قال‏:‏ سمعت عكرمة يقول‏:‏ سمعت أبا هريرة يقول‏:‏ إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا‏:‏ ماذا قال ربكم‏؟‏

قالوا للذي قال‏:‏ الحق وهو العلي الكبير‏.‏

فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض، - ووصف سفيان بكفه فحرفها، وبدد بين أصابعه - فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن‏.‏ فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة‏.‏

فيقال‏:‏ أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا، كذا وكذا‏؟‏ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء‏)‏‏)‏‏.‏

انفرد به البخاري‏.‏

وروى مسلم من حديث الزهري، عن علي بن الحسين زين العابدين، عن ابن عباس، عن رجال من الأنصار، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 36-38‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية ‏[‏فصلت‏:‏ 25‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ‏}‏ ‏[‏ق‏:‏ 27-29‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 112 -113‏]‏‏.‏

وقد قدمنا في صفة الملائكة ما رواه أحمد، ومسلم، من طريق منصور عن سالم بن أبي الجعد، عن أبيه، واسمه رافع، عن ابن مسعود قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة‏.‏

قالوا‏:‏ وإياك يا رسول الله‏؟‏

قال‏:‏ وإياي، ولكن الله أعانني عليه فلا يأمرني إلا بخير‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير عن قابوس، عن أبيه، واسمه حصين بن جندب، وهو أبو ظبيان الجنبي، عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏ليس منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الشياطين‏.‏

قالوا‏:‏ وأنت يا رسول الله‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ نعم، ولكن الله أعانني عليه فأسلم‏)‏‏)‏‏.‏

تفرد به أحمد وهو على شرط الصحيح‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 73‏)‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا هارون، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني أبو صخر، عن يزيد بن قسيط، حدثه أن عروة بن الزبير، حدثه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلاً قالت‏:‏ فغرت عليه، قالت‏:‏ فجاء، فرأى ما أصنع، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏مالك يا عائشة أغرت‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ فقلت ومالي أن لا يغار مثلي على مثلك‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏أفأخذك شيطانك‏)‏‏)‏‏.‏

قالت يا رسول الله‏:‏ أو معي شيطان‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ ومع كل إنسان‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ ومعك يا رسول الله‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم، ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم‏)‏‏)‏‏.‏

وهكذا رواه مسلم عن هارون، وهو ابن سعيد الأيلي بإسناده نحوه‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن لهيعة، عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏إن المؤمن لينصي شيطانه كما ينصي أحدكم بعيره في السفر‏)‏‏)‏‏.‏

تفرد به أحمد من هذا الوجه‏.‏ ومعنى لينصي شيطانه‏:‏ ليأخذ بناصيته فيغلبه، ويقهره كما يفعل بالبعير إذا شرد ثم غلبه‏.‏

وقوله تعالى إخباراً عن إبليس‏:‏ ‏{‏قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 16-17‏]‏‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا أبو عقيل -هو عبد الله بن عقيل الثقفي، حدثنا موسى بن المسيب، عن سالم بن أبي الجعد، عن سبرة بن أبي فاكه، قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال‏:‏ أتسلم وتذر دينك ودين آبائك‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ فعصاه وأسلم‏.‏

قال‏:‏ وقعد له بطريق الهجرة، فقال‏:‏ أتهاجر وتذر أرضك وسماءك‏؟‏ وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطول‏.‏

فعصاه وهاجر‏.‏

ثم قعد له بطريق الجهاد، وهو جهد النفس والمال‏.‏ فقال‏:‏ أتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال‏؟‏

قال‏:‏ فعصاه وجاهد‏.‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ فمن فعل ذلك منهم كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، وإن قتل كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، وإن كان غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، وإن وقصته دابته كان حقاً على الله أن يدخله الجنة‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا وكيع، حدثنا عبادة بن مسلم الفزاري، حدثني جبير بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، سمعت عبد الله بن عمر يقول‏:‏ لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هذه الدعوات حين يصبح، وحين يمسي‏:‏

‏(‏‏(‏اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني، ودنياي، وأهلي، ومالي‏.‏ اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي‏)‏‏)‏‏.‏

قال وكيع‏:‏ يعني الخسف‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 74‏)‏

ورواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، من حديث عبادة بن مسلم به‏.‏ وقال الحاكم صحيح الإسناد‏.‏

 باب خلق آدم عليه السلام

قال الله تعالى‏:‏

‏{‏وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ

فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏‏[‏البقرة‏:‏ 30-39‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 59‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 1‏]‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 75‏)‏

كما قال‏:‏ ‏{‏يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 13‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية ‏[‏الأعراف‏:‏ 189‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ * وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ

الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ

وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 11-25‏]‏‏.‏

كما قال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 55‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ * قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 26-44‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ آسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً * قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُوراً * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 61-65‏]‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 76‏)‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 50‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 115-126‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ * مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ * إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ * قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ‏}‏ ‏[‏ص‏:‏ 67-88‏]‏‏.‏

فهذا ذكر هذه القصة من مواضع متفرقة من القرآن‏.‏

وقد تكلمنا على ذلك كله في التفسير، ولنذكر هاهنا مضمون ما دلت عليه هذه الآيات الكريمات، وما يتعلق بها من الأحاديث الواردة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله المستعان‏.‏

فأخبر تعالى أنه خاطب الملائكة قائلاً لهم‏:‏ ‏{‏إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 30‏]‏ أعلم بما يريد أن يخلق من آدم وذريته الذين يخلف بعضهم بعضاً، كما قال‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 165‏]‏ فأخبرهم بذلك على سبيل التنويه بخلق آدم وذريته، كما يخبر بالأمر العظيم قبل كونه‏.‏ فقالت الملائكة سائلين على وجه الاستكشاف والاستعلام عن وجه الحكمة، لا على وجه الاعتراض والتنقص لبني آدم، والحسد لهم كما قد يتوهمه بعض جهلة المفسرين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 77‏)‏

{‏قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 30‏]‏‏.‏

قيل‏:‏ علموا أن ذلك كائن بما رأوا، ممن كان قبل آدم من الجن والبن، قاله قتادة‏.‏

وقال عبد الله بن عمر‏:‏ كانت الجن قبل آدم بألفي عام، فسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم جنداً من الملائكة فطردوهم إلى جزائر البحور‏.‏

وعن ابن عباس نحوه‏.‏

وعن الحسن ألهموا ذلك‏.‏

وقيل‏:‏ لما اطلعوا عليه من اللوح المحفوظ، فقيل‏:‏ أطلعهم عليه هاروت وماروت عن ملك فوقهما يقال له الشجل‏.‏ رواه ابن أبي حاتم عن أبي جعفر الباقر‏.‏

وقيل‏:‏ لأنهم علموا أن الأرض لا يخلق منها إلا من يكون بهذه المثابة غالباً ‏{‏وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ جزء من الآية 30‏]‏ أي‏:‏ نعبدك دائماً لا يعصيك منا أحد‏.‏

فإن كان المراد بخلق هؤلاء أن يعبدون، فها نحن لا نفتر ليلاً ولا نهاراً، قال‏:‏ ‏{‏قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 30‏]‏ أي‏:‏ أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هؤلاء ما لا تعلمون، أي سيوجد منهم الأنبياء، والمرسلون، والصديقون، والشهداء‏.‏

ثم بين لهم شرف آدم عليهم في العلم، فقال‏:‏ ‏{‏وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 31‏]‏‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس، إنسان، ودابة، وأرض، وسهل، وبحر، وجبل، وجمل، وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها‏.‏

وفي رواية‏:‏ علمه اسم الصحفة، والقدر، حتى الفسوة، والفسية‏.‏

وقال مجاهد‏:‏ علمه اسم كل دابة، وكل طير، وكل شيء‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 78‏)‏

وكذا قال سعيد بن جبير، وقتادة، وغير واحد‏.‏

وقال الربيع‏:‏ علمه أسماء الملائكة‏.‏

وقال عبد الرحمن بن زيد‏:‏ علمه أسماء ذريته، والصحيح أنه علمه أسماء الذوات، وأفعالها، مكبرها ومصغرها، كما أشار إليه ابن عباس رضي الله عنهما‏.‏

وذكر البخاري هنا ما رواه هو، ومسلم، من طريق سعيد، وهشام عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏يجتمع المؤمنون يوم القيامة، فيقولون‏:‏ لو استشفعنا إلى ربنا، فيأتون آدم فيقولون‏:‏ أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء‏)‏‏)‏ وذكر تمام الحديث‏.‏

{‏ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 31‏]‏‏.‏

قال الحسن البصري‏:‏ لما أراد الله خلق آدم قالت الملائكة‏:‏ لا يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه فابتلوا بهذا، وذلك قوله ‏{‏إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏‏.‏

وقيل غير ذلك كما بسطناه في التفسير‏.‏

{‏قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 32‏]‏ أي‏:‏ سبحانك أن يحيط أحد بشيء من علمك من غير تعليمك، كما قال ‏{‏وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 255‏]‏‏.‏

‏{‏قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 33‏]‏ أي‏:‏ أعلم السر كما أعلم العلانية‏.‏

وقيل‏:‏ إن المراد بقوله‏:‏ ‏{‏وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ‏}‏ ما قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها‏.‏

وبقوله‏:‏ ‏{‏وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ‏}‏ المراد بهذا الكلام‏:‏ إبليس حين أسر الكبر والتخيرة على آدم عليه السلام‏.‏

قاله سعيد بن جبير، ومجاهد، والسدي، والضحاك، والثوري، واختاره ابن جرير‏.‏

وقال أبو العالية، والربيع، والحسن، وقتادة‏:‏ ‏{‏وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ‏}‏ قولهم لن يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه، وأكرم عليه منه‏.‏

قوله ‏{‏وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 34‏]‏ هذا إكرام عظيم من الله تعالى لآدم حين خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، كما قال‏:‏ ‏{‏فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 29‏]‏، فهذه أربع تشريفات‏:‏

خلقه له بيده الكريمة‏.‏

ونفخه فيه من روحه‏.‏

وأمره الملائكة بالسجود له‏.‏

وتعليمه أسماء الأشياء‏.‏

ولهذا قال له موسى الكليم حين اجتمع هو وإياه في الملأ الأعلى، وتناظرا كما سيأتي‏:‏ أنت آدم أبو البشر الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء‏.‏

وهكذا يقول أهل المحشر يوم القيامة كما تقدم، وكما سيأتي إن شاء الله تعالى‏.‏

وقال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 11-12‏]‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 79‏)‏

قال الحسن البصري‏:‏ قاس إبليس، وهو أول من قاس‏.‏

وقال محمد بن سيرين‏:‏ أول من قاس إبليس، وما عبدت الشمس ولا القمر إلا بالمقاييس، رواهما ابن جريج‏.‏ ومعنى هذا أنه نظر نفسه بطريق المقايسة بينه وبين آدم، فرأى نفسه أشرف من آدم، فامتنع من السجود له‏.‏ مع وجود الأمر له ولسائر الملائكة بالسجود‏.‏

والقياس إذا كان مقابلاً بالنص كان فاسد الاعتبار، ثم هو فاسد في نفسه، فإن الطين أنفع وخير من النار‏.‏

فإن الطين فيه‏:‏ الرزانة، والحلم، والأناة، والنمو‏.‏

والنار فيها‏:‏ الطيش، والخفة، والسرعة، والإحراق‏.‏

ثم آدم شرفه الله بخلقه له بيده، ونفخه فيه من روحه، ولهذا أمر الملائكة بالسجود له‏.‏

كما قال‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ * قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 28-35‏]‏‏.‏

استحق هذا من الله تعالى؛ لأنه استلزم تنقصه لآدم، وازدراؤه به، وترفعه عليه، مخالفة الأمر الإلهي، ومعاندة الحق في النص على آدم على التعيين، وشرع في الاعتذار بما لا يجدي عنه شيئاً، وكان اعتذاره أشد من ذنبه‏.‏

كما قال تعالى في سورة سبحان‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ آسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً * قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُوراً * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 61-65‏]‏‏.‏

وقال في سورة الكهف‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ‏}‏ ‏[‏الآية 50‏]‏ أي‏:‏ خرج عن طاعة الله عمداً، وعناداً، واستكباراً عن امتثال أمره، وما ذاك إلا لأنه خانه طبعه، ومادته الخبيثة أحوج ما كان إليها، فإنه مخلوق من نار‏.‏ كما قال وكما قدرنا في صحيح مسلم عن عائشة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏خلقت الملائكة من نور، وخلقت الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 80‏)‏

قال الحسن البصري‏:‏ لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين قط‏.‏

وقال شهر بن حوشب‏:‏ كان من الجن، فلما أفسدوا في الأرض بعث الله إليهم جنداً من الملائكة، فقتلوهم، وأجلوهم إلى جزائر البحار، وكان إبليس ممن أسر فأخذوه معهم إلى السماء، فكان هناك فلما أمرت الملائكة بالسجود، امتنع إبليس منه‏.‏

وقال ابن مسعود، وابن عباس، وجماعة من الصحابة، وسعيد بن المسيب، وآخرون‏:‏ كان إبليس رئيس الملائكة بالسماء الدنيا‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ وكان اسمه عزازيل‏.‏

وفي رواية عن الحارث، قال النقاش، وكنيته‏:‏ أبو كردوس‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ وكان من حي من الملائكة، يقال لهم الجن، وكانوا خزان الجنان، وكان من أشرفهم، وأكثرهم علماً وعبادة، وكان من أولى الأجنحة الأربعة، فمسخه الله شيطاناً رجيماً‏.‏

وقال في سورة ص‏:‏ ‏{‏إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ‏}‏‏[‏الآيات‏:‏ 71-85‏]‏‏.‏

وقال في سورة الأعراف‏:‏ ‏{‏قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 16‏]‏ أي بسبب إغوائك إياي لأقعدن لهم كل مرصد، ولآتينهم من كل جهة منهم، فالسعيد من خالفه، والشقي من اتبعه‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا أبو عقيل، هو عبد الله بن عقيل الثقفي، حدثنا موسى بن المسيب، عن سالم بن أبي الجعد، عن سبرة بن أبي الفاكه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏إن الشيطان يقعد لابن آدم بأطرقه‏)‏‏)‏‏.‏

وذكر الحديث كما قدمناه في صفة إبليس‏.‏

وقد اختلف المفسرون في الملائكة المأمورين بالسجود لآدم، أهم جميع الملائكة كما دل عليه عموم الآيات، وهو قول الجمهور‏.‏ أو المراد بهم ملائكة الأرض، كما رواه ابن جرير من طريق الضحاك، عن ابن عباس، وفيه انقطاع، وفي السياق نكارة، وإن كان بعض المتأخرين قد رجحه ولكن الأظهر من السياقات الأول، ويدل عليه الحديث‏:‏ ‏(‏‏(‏وأسجد له ملائكته‏)‏‏)‏ وهذا عموم أيضا، والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/81‏)‏

وقوله تعالى لإبليس‏:‏ ‏(‏‏(‏اهبط منها‏)‏‏)‏ و ‏(‏‏(‏واخرج منها‏)‏‏)‏ دليل على أنه كان في السماء، فأمر بالهبوط منها، والخروج من المنزلة، والمكانة التي كان قد نالها بعبادته، وتشبهه بالملائكة في الطاعة والعبادة، ثم سلب ذلك بكبره، وحسده ومخالفته لربه، فأهبط إلى الأرض مذؤماً، مدحوراً‏.‏

وأمر الله آدم عليه السلام أن يسكن هو وزوجته الجنة فقال‏:‏ ‏{‏وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 35‏]‏‏.‏

وقال في الأعراف‏:‏ ‏{‏قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ * وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏الأية‏:‏ 18-19‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 116-119‏]‏‏.‏

وسياق هذه الآيات يقتضي أن خلق حواء كان قبل دخول آدم الجنة، لقوله‏:‏ ‏{‏وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ‏}‏ وهذا قد صرح به إسحاق بن بشار، وهو ظاهر هذه الآيات‏.‏

ولكن حكى السدي عن أبي صالح، وأبي مالك، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة أنهم قالوا‏:‏ أخرج إبليس من الجنة، وأسكن آدم الجنة، فكان يمشي فيها وحشي ليس له فيها زوج يسكن إليها، فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة، خلقها الله من ضلعه فسألها من أنت‏؟‏

قالت‏:‏ امرأة‏.‏

قال‏:‏ ولما خلقت‏؟‏

قالت‏:‏ لتسكن إلي‏.‏

فقالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه‏:‏ ما اسمها يا آدم‏؟‏

قال‏:‏ حواء‏.‏

قالوا‏:‏ ولـمَ كانت حواء‏؟‏

قال‏:‏ لأنها خلقت من شيء حي‏.‏

وذكر محمد بن إسحاق، عن ابن عباس، أنها خلقت من ضلعه الأقصر الأيسر، وهو نائم، ولأم مكانه لحماً‏.‏ ومصداق هذا في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ الآية 1‏]‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 82‏)‏

وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ الآية 189‏]‏، وسنتكلم عليها فيما بعد، إن شاء الله تعالى‏.‏

وفي ‏(‏الصحيحين‏)‏ من حديث زائدة، عن ميسرة الأشجعي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏

‏(‏‏(‏استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً‏)‏‏)‏‏.‏ لفظ البخاري‏.‏

وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ‏}‏‏:‏

فقيل‏:‏ هي الكرم‏.‏

وروي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، والشعبي، وجعدة بن هبيرة، ومحمد بن قيس، والسدي في رواية، عن ابن عباس، وابن مسعود، وناس من الصحابة قال‏:‏ وتزعم يهود أنها الحنطة‏.‏

وهذا مروي عن ابن عباس، والحسن البصري، ووهب بن منبه، وعطية العوفي، وأبي مالك، ومحارب بن دثار، وعبد الرحمن بن أبي ليلى‏.‏

قال وهب‏:‏ والحبة منه ألين من الزبد، وأحلى من العسل‏.‏

وقال الثوري، عن أبي حصين، عن أبي مالك‏:‏ ‏{‏وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ‏}‏ هي‏:‏ النخلة‏.‏

وقال ابن جريج، عن مجاهد، هي‏:‏ التينة‏.‏

وبه قال قتادة، وابن جريح‏.‏

وقال أبو العالية‏:‏ كانت شجرة من أكل منها أحدث، ولا ينبغي في الجنة حدث‏.‏

وهذا الخلاف قريب‏.‏ وقد أبهم الله ذكرها وتعيينها‏.‏ ولو كان في ذكرها مصلحة تعود إلينا، لعينها لنا كما في غيرها من المحال، التي تبهم في القرآن‏.‏

وإنما الخلاف الذي ذكروه، في أن هذه الجنة، التي دخلها آدم، هل هي في السماء، أو في الأرض‏؟‏ هو الخلاف الذي ينبغي فصله، والخروج منه‏.‏

والجمهور‏:‏ على أنها هي التي في السماء، وهي جنة المأوى لظاهر الآيات والأحاديث، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ‏}‏ والألف واللام، ليست للعموم، ولا لمعهود لفظي، وإنما تعود على معهود ذهني، وهو المستقر شرعاً من جنة المأوى، وكقول موسى عليه السلام، لآدم عليه السلام‏:‏ علام أخرجتنا، ونفسك من الجنة‏.‏ الحديث كما سيأتي الكلام عليه‏.‏

وروى مسلم في ‏(‏صحيحه‏)‏، من حديث أبي مالك الأشجعي، واسمه سعد بن طارق، عن أبي حازم سلمة بن دينار، عن أبي هريرة، وأبو مالك عن ربعي، عن حذيفة، قالا‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏يجمع الله الناس، فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم فيقولون‏:‏ يا أبانا استفتح لنا الجنة‏.‏

فيقول‏:‏ وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم‏)‏‏)‏‏.‏

وذكر الحديث بطوله‏.‏

وهذا فيه قوة جيدة ظاهرة في الدلالة على أنها جنة المأوى، وليست تخلو عن نظر‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 83‏)‏

وقال آخرون‏:‏ بل الجنة التي أسكنها آدم، لم تكن جنة الخلد، لأنه كلف فيها أن لا يأكل من تلك الشجرة، ولأنه نام فيها، وأخرج منها، ودخل عليه إبليس فيها، وهذا مما ينافي أن تكون جنة المأوى‏.‏

وهذا القول، محكي عن أبي بن كعب، وعبد الله بن عباس، ووهب بن منبه، وسفيان بن عيينة، واختاره ابن قتيبة في ‏(‏المعارف‏)‏، والقاضي منذر بن سعيد البلوطي في ‏(‏تفسيره‏)‏، وأفرد له مصنفاً على حدة‏.‏

وحكاه عن أبي حنيفة الإمام، وأصحابه رحمهم الله، ونقله أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي بن خطيب الري في ‏(‏تفسيره‏)‏، عن أبي القاسم البلخي وأبي مسلم الأصبهاني‏.‏

ونقله القرطبي في ‏(‏تفسيره‏)‏ عن المعتزلة، والقدرية‏.‏

وهذا القول‏:‏ هو نص التوراة، التي بأيدي أهل الكتاب‏.‏

وممن حكى الخلاف في هذه المسألة‏:‏ أبو محمد بن حزم، في ‏(‏الملل والنحل‏)‏ وأبو محمد بن عطية في ‏(‏تفسيره‏)‏، وأبو عيسى الرماني في ‏(‏تفسيره‏)‏‏.‏

وحكى عن الجمهور الأول‏.‏ وأبو القاسم الراغب، والقاضي الماوردي في ‏(‏تفسيره‏)‏، فقال‏:‏ واختلف في الجنة التي أسكناها يعني آدم وحواء، على قولين‏:‏

أحدهما‏:‏ أنها جنة الخلد‏.‏

الثاني‏:‏ جنة أعدَّها الله لهما، وجعلها دار ابتلاء، وليست جنة الخلد التي جعلها دار جزاء‏.‏

ومن قال بهذا‏:‏ اختلفوا على قولين‏:‏

أحدهما‏:‏ أنها في السماء، لأنه أهبطهما منها‏.‏ وهذا قول الحسن‏.‏

والثاني‏:‏ أنها في الأرض، لأنه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة، التي نهيا عنها، دون غيرها من الثمار‏.‏

وهكذا قول ابن يحيى، وكان ذلك بعد أن أمر إبليس بالسجود لآدم، والله أعلم بالصواب من ذلك‏.‏

هذا كلامه‏.‏ فقد تضمن كلامه حكاية أقوال ثلاثة‏.‏ وأشعر كلامه أنه متوقف في المسألة‏.‏

ولقد حكى أبو عبد الله الرازي في ‏(‏تفسيره‏)‏، في هذه المسألة أربعة أقوال، هذه الثلاثة التي أوردها الماوردي، ورابعها الوقف‏.‏

وحكى القول بأنها في السماء، وليست جنة المأوى، عن أبي علي الجبائي‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 84‏)‏

وقد أورد أصحاب القول الثاني، سؤالاً يحتاج مثله إلى جواب، فقالوا‏:‏ لا شك أن الله سبحانه وتعالى طرد إبليس، حين امتنع من السجود عن الحضرة الإلهية، وأمره بالخروج عنها، والهبوط منها، وهذا الأمر ليس من الأوامر الشرعية، بحيث يمكن مخالفته، وإنما هو أمر قدري، لا يخالف، ولا يمانع، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءوماً مَدْحُوراً‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 18‏]‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏{‏فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 13‏]‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏{‏قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 34‏]‏‏.‏

والضمير عائد إلى الجنة، أو السماء، أو المنزلة، وأياماً كان، فمعلوم أنه ليس له الكون قدراً في المكان، الذي طرد عنه، وأبعد منه، لا على سبيل الاستقرار، ولا على سبيل المرور، والاجتياز‏.‏

قالوا‏:‏ ومعلوم من ظاهر سياقات القرآن، أنه وسوس لآدم وخاطبه بقوله له‏:‏ ‏{‏هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 120‏]‏‏.‏

وبقوله‏:‏ ‏{‏مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 20-21‏]‏‏.‏

وهذا ظاهر في اجتماعه معهما في جنتهما‏.‏

وقد أجيبوا عن هذا بأنه لا يمتنع أن يجتمع بهما في الجنة، على سبيل المرور فيها، لا على سبيل الاستقرار بها، أو أنه وسوس لهما، وهو على باب الجنة، أو من تحت السماء، وفي الثلاثة نظر، والله أعلم‏.‏

ومما احتج به أصحاب هذه المقالة، ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد، في ‏(‏الزيادت‏)‏ عن هدبة بن خالد، عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن البصري، عن يحيى بن ضمرة السعدي، عن أبي بن كعب، قال‏:‏

إن آدم لما احتضر اشتهى قطفاً من عنب الجنة، فقالوا لهم‏:‏ ارجعوا فقد كفيتموه، فانتهوا إليه، فقبضوا روحه، وغسلوه، وحنطوه، وكفنوه، وصلَّى عليه جبريل، ومن خلفه من الملائكة، ودفنوه‏.‏ وقالوا‏:‏ هذه سنتكم في موتاكم‏.‏ وسيأتي الحديث بسنده، وتمام لفظه، عند ذكر وفاة آدم عليه السلام‏.‏

قالوا‏:‏ فلولا أنه كان الوصول إلى الجنة، التي كان فيها آدم، التي اشتهى منها القطف ممكناً، لما ذهبوا يطلبون ذلك، فدل على أنها في الأرض، لا في السماء، والله تعالى أعلم‏.‏

قالوا‏:‏ والاحتجاج بأن الألف، واللام، في قوله‏:‏ ‏{‏ويَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ‏}‏ لم يتقدم عهد يعود عليه، فهو المعهود الذهني مسلم، ولكن هو ما دل عليه سياق الكلام، فإن آدم خلق من الأرض، ولم ينقل أنه رفع إلى السماء، وخلق ليكون في الأرض، وبهذا أعلم الرب الملائكة حيث قال‏:‏ ‏{‏إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً‏}‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 85‏)‏

قالوا‏:‏ وهذا كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ‏}‏ ‏[‏القلم‏:‏ 17‏]‏‏.‏ فالألف واللام، ليس للعموم، ولم يتقدم معهود لفظي، وإنما هي للمعهود الذهني، الذي دل عليه السياق، وهو البستان‏.‏

قالوا‏:‏ وذكر الهبوط لا يدل على النزول من السماء‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ الآية 48‏]‏‏.‏

وإنما كان في السفينة، حين استقر على الجودي، ونضب الماء عن وجه الأرض، أمر أن يهبط إليها، هو ومن معه مباركاً عليه وعليهم‏.‏

وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ الآية 61‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ الآية 74‏]‏، وفي الأحاديث واللغة من هذا كثير‏.‏

قالوا‏:‏ ولا مانع، بل هو الواقع أن الجنة التي أسكنها آدم، كانت مرتفعة عن سائر بقاع الأرض، ذات أشجار، وثمار، وظلال، ونعيم، ونضرة، وسرور‏.‏

كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 118‏]‏‏.‏

أي لا يذل باطنك بالجوع، ولا ظاهرك بالعرى‏.‏

{‏وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى‏}‏ أي‏:‏ لا يمس باطنك حر الظمأ، ولا ظاهرك حر الشمس‏.‏

ولهذا قرن بين هذا وهذا، وبين هذا وهذا، لما بينهما من الملاءمة‏.‏

فلما كان منه ما كان من أكله من الشجرة، التي نهى عنها، أهبط إلى أرض الشقاء، والتعب، والنصب، والكدر، والسعي، والنكد، والابتلاء، والاختبار، والامتحان، واختلاف السكان ديناً، وأخلاقاً، وأعمالاً وقصوداً، وإرادات، وأقوالاً، وأفعالاً، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 36‏]‏‏.‏

ولا يلزم من هذا، أنهم كانوا في السماء، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 104‏]‏، ومعلوم أنهم كانوا فيها، لم يكونوا في السماء‏.‏

قالوا‏:‏ وليس هذا القول مفرعاً على قول من ينكر وجود الجنة، والنار اليوم، ولا تلازم بينهما، فكل من حكى عنه هذا القول من السلف وأكثر الخلف، ممن يثبت وجود الجنة، والنار اليوم، كما دلت عليه الآيات، والأحاديث الصحاح، كما سيأتي إيرادها في موضعها، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 86‏)‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا‏}‏ أي‏:‏ عن الجنة ‏{‏فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ‏}‏ أي من النعيم، والنضرة، والسرور، إلى دار التعب، والكد، والنكد، وذلك بما وسوس لهما، وزينه في صدورهما، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 20‏]‏‏.‏

يقول‏:‏ ما نهاكما عن أكل هذه الشجرة، إلا أن تكونا ملكين، أو تكونا من الخالدين‏.‏ أي‏:‏ ولو أكلتما منها، لصرتما كذلك ‏{‏وَقَاسَمَهُمَا‏}‏ أي حلف لهما على ذلك ‏{‏إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ‏}‏ كما قال في الآية الأخرى ‏{‏فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى‏}‏ أي هل أدلك على الشجرة، التي إذا أكلت منها، حصل لك الخلد فيما أنت فيه من النعيم، واستمررت في ملك لا يبيد، ولا ينقضي، وهذا من التغرير، والتزوير، والإخبار بخلاف الواقع‏.‏

والمقصود‏:‏ أن قوله شجرة الخلد، التي إذا أكلت منها خلدت، وقد تكون هي الشجرة التي قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا شعبة عن أبي الضحاك، سمعت أبا هريرة يقول‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام، لا يقطعها شجرة الخلد‏)‏‏)‏‏.‏

وكذا رواه أيضاً عن غندر، وحجاج عن شعبة‏.‏

ورواه أبو داود الطيالسي، في ‏(‏مسنده‏)‏ عن شعبة أيضاً به‏.‏

قال غندر‏:‏ قلت لشعبة هي شجرة الخلد، قال‏:‏ ليس فيها هي‏.‏

تفرد به الإمام أحمد‏.‏

وقوله ‏{‏فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 22‏]‏‏.‏ كما قال في طه ‏{‏فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 121‏]‏‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 1‏)‏‏:‏ قال الله تعالى‏:‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

وكانت حواء أكلت من الشجرة قبل آدم، وهي التي حدته على أكلها، والله أعلم‏.‏

وعليه يحمل الحديث الذي رواه البخاري‏:‏ حدثنا بشر بن محمد، حدثنا عبد الله أنبأنا معمر عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه‏:‏

‏(‏‏(‏لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها‏)‏‏)‏ تفرد به من هذا الوجه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 87‏)‏

وأخرجاه في ‏(‏الصحيحين‏)‏ من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن همام عن، أبي هريرة به‏.‏

ورواه أحمد، ومسلم، عن هارون بن معروف، عن أبي وهب، عن عمرو بن حارث، عن أبي يونس، عن أبي هريرة به‏.‏

وفي كتاب التوراة التي بين أيدي أهل الكتاب‏:‏ أن الذي دل حواء على الأكل من الشجرة، هي الحية‏.‏ وكانت من أحسن الأشكال، وأعظمها، فأكلت حواء عن قولها، وأطعمت آدم عليه السلام، وليس فيها ذكر لإبليس فعند ذلك انفتحت أعينهما، وعلما أنهما عريانان، فوصلا من ورق التين، وعملا ميازر، وفيها أنهما كانا عريانين‏.‏

وكذا قال وهب بن منبه‏:‏ كان لباسهما نوراً على فرجه وفرجها‏.‏

وهذا الذي في هذه التوراة التي بأيديهم غلط منهم، وتحريف، وخطأ في التعريب، فإن نقل الكلام من لغة إلى لغة، لا يكاد يتيسر لكل أحد، ولا سيما ممن لا يعرف كلام العرب جيداً، ولا يحيط علماً بفهم كتابه أيضاً، فلهذا وقع في تعريبهم لها خطأ كثير لفظاً ومعنى‏.‏

وقد دل القرآن العظيم على أنه كان عليهما لباس، في قوله‏:‏ ‏(‏‏(‏ينزع عنهما لباسهما، ليريهما سوآتهما‏)‏‏)‏ فهذا لا يرد لغيره من الكلام، والله تعالى أعلم‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا علي بن الحسن بن اسكاب، حدثنا علي بن عاصم، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن الحسن، عن أبي كعب قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏إن الله خلق آدم رجلاً طوالاً، كثير شعر الرأس، كأنه نخلة سحوق، فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه، فأول ما بدا منه عورته، فلما نظر إلى عورته، جعل يشتد في الجنة، فأخذت شعره شجرة، فنازعها فناداه الرحمن عز وجل‏:‏ يا آدم مني تفر، فلما سمع كلام الرحمن قال‏:‏ يا رب لا، ولكن استحياء‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الثوري‏:‏ عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ‏{‏وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ‏}‏ ورق التين‏.‏

وهذا إسناد صحيح إليه، وكأنه مأخوذ من أهل الكتاب، وظاهر الآية يقتضي أعم من ذلك، وبتقدير تسليمه فلا يضر، والله تعالى أعلم‏.‏

وروى الحافظ ابن عساكر من طريق محمد بن إسحاق، عن الحسن بن ذكوان، عن الحسن البصري، عن أبي بن كعب، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏إن أباكم آدم كان كالنخلة السحوق، ستين ذراعاً، كثير الشعر، موارى العورة، فلما أصاب الخطيئة في الجنة بدت له سوأته، فخرج من الجنة، فلقيته شجرة، فأخذت بناصيته، فناداه ربه أفراراً مني يا آدم‏؟‏ قال‏:‏ بل حياء منك، والله يا رب مما جئت به‏)‏‏)‏‏.‏

ثم رواه من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن الحسن، عن يحيى بن ضمرة، عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه‏.‏

وهذا أصح فإن الحسن لم يدرك أبياً‏.‏

ثم أورده أيضاً من طريق خيثمة بن سليمان الاطرابلسي، عن محمد بن عبد الوهاب أبي قرصافة العسقلاني، عن آدم بن أبي إياس، عن شيبان عن قتادة، عن أنس مرفوعاً بنحوه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 88‏)‏

{‏وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 22 - 23‏]‏‏.‏

وهذا اعتراف ورجوع إلى الإنابة، وتذلل، وخضوع، واستكانة، وافتقار إليه تعالى، في الساعة الراهنة‏.‏ وهذا السر ما سرى في أحد من ذريته إلا كانت عاقبته إلى خير في دنياه وأخراه‏.‏

{‏قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 24‏]‏‏.‏

وهذا خطاب لآدم وحواء وإبليس، قيل‏:‏ والحية معهم، أمروا أن يهبطوا من الجنة، في حال كونهم متعادين متحاربين‏.‏

وقد يستشهد لذكر الحية معهما، بما ثبت في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه أمر بقتل الحيات، وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما سالمناهن منذ حاربناهن‏)‏‏)‏‏.‏

وقوله في سورة طه‏:‏ ‏{‏قَاْلَ اِهْبِطَا مِنّهَا جَمِيْعَاً ببَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 123‏]‏‏.‏

هو أمر لآدم وإبليس، واستتبع آدم حواء، وإبليس الحية‏.‏

وقيل‏:‏ هو أمر لهم بصيغة التثنية، كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 78‏]‏‏.‏

والصحيح أن هذا لما كان الحاكم، لا يحكم إلا بين اثنين‏:‏ مدع، ومدعى عليه، قال‏:‏ وكنا لحكمهم شاهدين‏.‏

وأما تكريره الإهباط في سورة البقرة، في قوله‏:‏ ‏{‏‏.‏‏.‏ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 36 - 39‏]‏‏.‏

فقال بعض المفسرين‏:‏ المراد بالإهباط الأول‏:‏ الهبوط من الجنة إلى السماء الدنيا، وبالثاني‏:‏ من السماء الدنيا إلى الأرض‏.‏ وهذا ضعيف لقوله في الأول‏:‏ ‏{‏وَقُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعَاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ‏}‏ فدل على أنهم أهبطوا إلى الأرض بالإهباط الأول، والله أعلم‏.‏

والصحيح‏:‏ أنه كرره لفظاً، وإن كان واحداً وناط مع كل مرة حكماً، فناط بالأول‏:‏ عداوتهم فيما بينهم، وبالثاني‏:‏ الاشتراط عليهم أن من تبع هداه الذي ينزله عليهم بعد ذلك، فهو السعيد، ومن خالفه فهو الشقي، وهذا الأسلوب في الكلام له نظائر في القرآن الكريم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 89‏)‏

وروى الحافظ بن عساكر عن مجاهد قال‏:‏ أمر الله ملكين أن يخرجا آدم وحواء من جواره، فنزع جبريل التاج عن رأسه، وحلَّ ميكائيل الإكليل عن جبينه، وتعلق به غصن، فظن آدم أنه قد عوجل بالعقوبة، فنكس رأسه، يقول‏:‏ العفو العفو‏.‏ فقال الله‏:‏ فراراً مني‏.‏ قال‏:‏ بل حياء منك يا سيدي‏.‏

وقال الأوزاعي عن حسان، هو ابن عطية‏:‏ مكث آدم في الجنة مائة عام‏.‏ وفي رواية ستين عاماً، بكى على الجنة سبعين عاماً، وعلى خطيئته سبعين عاماً، وعلى ولده حين قتل أربعين عاماً، رواه ابن عساكر‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبو زرعة، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن سعيد، عن ابن عباس، قال‏:‏ أهبط آدم عليه السلام إلى أرض يقال له دحنا، بين مكة والطائف‏.‏

وعن الحسن قال‏:‏ أُهبط آدم بالهند، وحواء بجدة، وإبليس بدستميسان من البصرة، على أميال، وأهبطت الحية بأصبهان، رواه ابن أبي حاتم أيضاً‏.‏

وقال السدي‏:‏ نزل آدم بالهند، ونزل معه بالحجر الأسود، وبقبضة من ورق الجنة، فبثه في الهند، فنبتت شجرة الطيب هناك

وعن ابن عمر قال‏:‏ أُهبط آدم بالصفا، وحواء بالمروة‏.‏ رواه ابن أبي حاتم أيضاً‏.‏

وقال عبد الرزاق‏:‏ قال معمر‏:‏ أخبرني عوف عن قسامة بن زهير، عن أبي موسى الأشعري، قال‏:‏ إن الله حين أهبط آدم من الجنة إلى الأرض علمه صنعة كل شيء، وزوده من ثمار الجنة، فثماركم هذه من ثمار الجنة، غير أن هذه تتغير، وتلك لا تتغير‏.‏

وقال الحاكم في ‏(‏مستدركه‏)‏‏:‏ أنبأنا أبو بكر بن بالوية، عن محمد بن أحمد بن النضر، عن معاوية بن عمر، عن زائدة، عن عمار بن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال‏:‏ ما أسكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس‏.‏

ثم قال صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه‏.‏

وفي صحيح مسلم من حديث الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها‏)‏‏)‏‏.‏

وفي الصحيح من وجه آخر‏:‏ ‏(‏‏(‏وفيه تقوم الساعة‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا محمد بن مصعب، حدثنا الأوزاعي، عن أبي عمار، عن عبد الله بن فروخ، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة‏)‏‏)‏‏.‏ على شرط مسلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 90‏)‏

فأما الحديث الذي رواه ابن عساكر، من طريق أبي القاسم البغوي، حدثنا محمد بن جعفر الوركاني، حدثنا سعيد بن ميسرة، عن أنس، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏هبط آدم وحواء عريانين جميعاً، عليهما ورق الجنة، فأصابه الحر حتى قعد يبكي، ويقول لها‏:‏ يا حواء قد أذاني الحر‏.‏

قال‏:‏ فجاءه جبريل بقطن، وأمرها أن تغزل، وعلمها، وأمر آدم بالحياكة، وعلمه أن ينسج‏.‏

وقال‏:‏ كان آدم لم يجامع امرأته في الجنة، حتى هبط منها، للخطيئة التي أصابتهما بأكلهما من الشجرة‏.‏

قال‏:‏ وكان كل واحد منهما ينام على حدة، ينام أحدهما في البطحاء، والآخر من ناحية أخرى، حتى أتاه جبريل فأمره أن يأتي أهله‏.‏

قال‏:‏ وعلمه كيف يأتيها، فلما أتاها، جاءه جبريل فقال‏:‏ كيف وجدت امرأتك‏:‏ قال‏:‏ صالحة‏)‏‏)‏‏.‏

فإنه حديث غريب، ورفعه منكر جداً‏.‏

وقد يكون من كلام بعض السلف، وسعيد بن ميسرة هذا، هو أبو عمران البكري البصري، قال فيه البخاري‏:‏ منكر الحديث‏.‏

وقال ابن حبان يروي الموضوعات‏.‏

وقال ابن عدي‏:‏ مظلم الأمر‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 37‏]‏‏.‏

قيل‏:‏ هي قوله‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 23‏]‏‏.‏

روى هذا عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبي العالية، والربيع بن أنس، والحسن، وقتادة، ومحمد بن كعب، وخالد بن معدان، وعطاء الخراساني، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم‏.‏

وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا علي بن الحسين بن إشكاب، حدثنا علي بن عصام، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي بن كعب، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏قال آدم عليه السلام‏:‏ أرأيت يا رب إن تبت ورجعت أعائدي إلى الجنة‏؟‏

قال‏:‏ نعم‏.‏ فذلك قوله‏:‏ ‏{‏فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 37‏]‏‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا غريب من هذا الوجه، وفيه انقطاع‏.‏

وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد قال‏:‏ الكلمات‏:‏ اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين

اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب، إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الراحمين

اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم‏.‏

وروى الحاكم في ‏(‏مستدركه‏)‏ من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس ‏{‏فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ‏}‏ قال‏:‏

قال آدم‏:‏ يا رب ألم تخلقني بيدك‏.‏ قيل له‏:‏ بلى‏.‏

ونفخت في من روحك‏.‏ قيل له‏:‏ بلى‏.‏

وعطست فقلت‏:‏ يرحمك الله، وسبقت رحمتك غضبك‏.‏ قيل له‏:‏ بلى

وكتبت علي أن أعمل هذا‏.‏ قيل له‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ أفرأيت إن تبت، هل أنت راجعي إلى الجنة‏.‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 1/ 91‏)‏

ثم قال الحاكم‏:‏ صحيح الإسناد، ولم يخرجاه‏.‏

وروى الحاكم أيضاً، والبيهقي، وابن عساكر، من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏لما اقترف آدم الخطيئة، قال يا رب‏:‏ أسألك بحق محمد أن غفرت لي‏.‏

فقال الله‏:‏ فكيف عرفت محمداً ولم أخلقه بعد‏.‏

فقال يا رب‏:‏ لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك، رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش، مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك‏.‏

فقال الله‏:‏ صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق إلي، وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك‏)‏‏)‏‏.‏

قال البيهقي‏:‏ تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، من هذا الوجه، وهو ضعيف، والله أعلم‏.‏

وهذه الآية كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 121- 122‏]‏‏.‏